كان التدخين حتى عام نشر تقرير الجراحين الأمريكيين 1964، صفة غالبة عند الرجال، وكان من نتائج هذا التقرير الذي أوضح الأخطار الناجمة عن التدخين سواء إحصائياً أم بالواقع، كان من نتائج هذا التقرير أن تدنت نسبة التدخين بين الرجال من 67% إلى 32% ، إلا أن هذا التدني في نسبة التدخين عند الرجال زامنه صعود (ارتفاع) في نسبة التدخين عند النساء ـ أي أن النساء ابتدأن التدخين بعد أن عزف عنه الرجال، وإن تدخين 50 ـ 60 سنة عند الرجال ـ إذا لم نقل 500 سنة منذ أن عرف الدخان ـ كان كافياً لإظهار أخطار التدخين بشكل واضح أقنع الرجال بأن عادة التدخين هي عادة مؤذية للإنسان من كل النواحي: سواء الصحية أو المادية أو الاجتماعية أو الأخلاقية. فهو الخطوة الأولى نحو الانحراف.
وفي هذه المرحلة كانت عادة التدخين قليلة الانتشار بين النساء حتى بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن نسبة التدخين بين النساء ارتفعت كثيراً ـ في الستينات ـ وقاربت نسبة تدخين الرجال، وذلك بفضل الدعايات الموجهة للنساء خاصة وربطها بتحرر المرأة وانطلاقها وسيادتها ـ حقوق المرأة ـ فبعد أن كانت نسبة النساء اللواتي يمارسن ـ عادة التدخين ـ لا تتجاوز 2 ـ 10% مقابل 40 ـ 60% لدى الرجال ارتفعت هذه النسبة في البلاد الصناعية لتصل من 20 ـ 40% لدى النساء مقابل 30 ـ 50% لدى الرجال، وكانت الزيادة بين البنات حديثات الأعمار خاصة، وفي البلدان النامية على الأخص، حيث الدخل المحدود وضرورة توجيه الإنفاق .. إلا أن الواقع كان غير ذلك، فالأسرة المدخنة تحرق جزءاً كبيراً من دخلها وتحرم أفرادها من مواد هي بالتأكيد أكثر فائدة لو صرفت على تغذية الأسرة أو كسوتها أو تعليمها أو ترفيهها.
إذا نظرنا إلى كل هذه السلبيات لهالنا الأمر، ولعرفنا بوضوح الخسائر التي يسببها التدخين سواء من الوجهة المادية أو الصحية أو الاجتماعية أو التعليمية.
إن النساء كن بعيدات عن التجربة التي خاضها الرجال المدخنون، وكأن ما رأينه عند الرجال من آثار التدخين ومن أضراره لم يكن كافياً لإبعادهن عن التورط في هذه التجربة ـ التدخين ـ فبدأن التجربة من جديد، وبدأت آثارها تظهر عليهن كما ظهرت على الرجال .. وأكثر بكثير.
وقد أدت كثرة انتشار التدخين بين النساء إلى معرفة الأضرار التي يسببها لهن، فالسيكارة تؤثر على البشرة وتؤدي إلى جفافها وتجعدها مما يوحي بشيخوخة مبكرة، كذلك يؤدي الدخان إلى تقصف الشعر وتجعده، وإلى نتانة النفس، وكل الأعراض التي سبق وذكرناها عند الحديث عن أثر التدخين على الصحة، والصحة واحدة عند الرجال والنساء باستثناء الفارق الفيزيولوجي . ـ الجهاز التناسلي عند النساء ـ والذي لا نرى بداً من التحدث عنه بشيء من التفصيل، فالمرأة تتعرض للطمث مرة كل شهر، والمرأة تحمل، والمرأة تلد والمرأة ترضع، وهي التي ترعى بيتها وترعى أولادها، وهي قدوة يقلدها الأولاد ويمشون برأيها، ويالها من قدوة حرجة، إن صلحت صلحوا وإن انحرفت انحرفوا.